صدر مؤخراً بالعربية والإنجليزية كتاب "بريد مستعجل"، يتضمن رسائل خاصة تحوي تجارب عشرات النساء مثليات الجنس في لبنان. فهل المجتمع مستعد لتلقي هذه الرسائل؟ الإجابة مرتبطة بنفاذ الطبعة الأولى في وقت قياسي.
أصبح مؤخراً لمثليات الجنس في لبنان هوية وصوت مسموع داخل المجتمع، هكذا تعتقد نادين معوض وهي عضو في المجموعة النسائية التي أسست للفكرة التي ولدت فجأة منذ عامين. والآن خرجت هذه الفكرة إلى الملأ في شكل كتاب مميز، صدر مؤخراً باللغتين العربية والإنجليزية تحت عنوان يلفه بعض الغموض: "بريد مستعجل". ويتضمن الكتاب رسائل خاصة تحوي تجارب عشرات النساء مثليات الجنس في لبنان. وفي هذا الكتاب تتحاور نادين ورفيقاتها في الدرب مع أكثر من أربعين امرأة مثلية الجنس في لبنان، ويدور الحديث بصراحة حول الحياة الجنسية والعلاقة مع الأبوين والصراع المرافق للكشف عن ميولهم الجنسية.
"المدهش حقا هو فكرة النساء عن أنفسهن"
وقد جاءت ردود الفعل من لبنان والدول العربية الأخرى ايجابياً بشكل يبعث فعلاً على الدهشة، فقد نفذت الطبعة الأولى من الأسواق في غضون أيام قليلة. وتحكي نادين عن البدايات وعن ردة فعل النساء عندما طلب منهن سرد قصص من حياتهن، إذ قلن إن ليس لديهن شيء مهم يستحق الحديث، وبأن لا أحد يهتم لسماع ما سيقلنه، "والمدهش حقا هو كيف نفكر نحن النساء حول أنفسنا، فالكثيرات يعتقدن أن قصصهن تصلح فقط مادة للثرثرة أثناء جلسات شرب القهوة وأنها تدخل في نطاق التذمر ليس أكثر." وتؤكد نادين أنه بالرغم من أن جزء من القصص، التي تم جمعها، يحفل بالمعاناة إلا أن الأمل لا يزال موجوداً وأن النساء لا يزلن يكافحن بقوة.
الكلمات تفضح موقف المجتمع
Bildunterschrift: عدد من مثليي الجنس أثناء المسيرة الإحتفالية بمناسبة "يوم كريستوفر السنوي" تعتبر قصص هؤلاء النسوة عملاً وثائقياً نادراً لتجارب نساء عربيات يعترفن بميولهن الجنسية المثلية. فهناك مثلاً من تحكي عن أولى التجارب الجنسية في سن المراهقة والدور الذي لعبته تلك التجارب في توجيه ميولها الجنسية، بينما تتحدث أخرى عن عشقها لزميلتها في المدرسة وعن الصراع الداخلي، والوقت الذي استغرقته حتى استوعبت حقيقة كونها مختلفة عن الأخريات في محيط تنظر فيه الغالبية إلى المثلية الجنسية بوصفها نوع من أنواع "المرض" أو "الشذوذ".
إن هذا النظرة تنعكس بوضوح في التعبيرات المستخدمة باللغة العربية لوصف أو تسمية العلاقة المثلية بين رجلين أو امرأتين، فمعظم هذه كلمات محملة بدلالات سلبية خالية من الاحترام. لكن دخلت في الفترة الأخيرة كلمة جديدة إلى قاموس اللغة العربية الفصحى المعاصرة، وهي كلمة "مثلي" التي تم استقاؤها من الترجمة المباشرة لكلمة "homosexuell"، كما يطيب أيضا للكثيرين استخدام كلمة "lesbian"، كما هو سائد في الغرب.
علاقات معقدة
ويفرد كتاب "بريد مستعجل" حيزاً كبيراً للعلاقة مع الأسرة. وتصف النساء في هذا السياق العلاقة مع الأبوين والأخوة بأسلوب داخلي خالص وسمته مشاعر الثقة والحب والتعلق الزائد أحياناً، وقد يصل الأمر أحيانا إلى حد الشعور بالذنب والقهر، أما بعضهن فيعشن حياة ازدواجية حتى بعد بلوغهن سن الرشد. أما الأخريات فيحاولن إعداد من يعيشون في محيطهن بشكل تدريجي عبر السنوات، ليتأهب هؤلاء للتعامل بشكل أفضل في حالة الكشف عن حقيقة ميولهن الجنسية. أما الحالات التي تنتهي فيها العلاقة مع الأهل بالقطيعة التامة فهي قليلة للغاية.
ليست كل امرأة ترغب في أن تصبح أماً وزوجة
Bildunterschrift: [فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ]وكما ترى نادين فإن الأسرة في المجتمعات الشرقية تضطلع عادة بالدور الذي تقوم به الدولة، وهذا فيما يتعلق بالتعليم والصحة والعمل. ولهذا فإنها تستخلص بأن ما يقال حول متانة الروابط الأسرية في الشرق بالمقارنة مع الغرب غير صحيح. وتقول في هذا السياق: "إن العلاقة هنا تكون مبنية على تبادل الخدمات، وبناء عليه فإن قطع العلاقة مع العائلة ليست بالأمر اليسير". وتضيف نادين إلى ذلك بأن أسلوب التربية في الشرق لا يقوم على إعداد الفرد للوصول إلى الاستقلالية الذاتية، وحسب رأيها فإن النساء بما فيهن مثليات الجنس لا يغادرن بيت الأسرة إلا بعد الزواج. عن هذا تقول نادين: "إن أول وأصعب صراع المرأة المثلية في المجتمعات الشرقية يتمثل في المجاهرة بعدم رغبتها في الزواج. ولا احد يتفهم الأسباب قد تدفع امرأة ما للعزوف عن الزواج وعن تكوين أسرة وإنجاب أطفال، فكل هذا يشكل في تصور المجتمع أروع ما في العالم".
ارتداء المرأة الحجاب وكونها مثلية ليس تناقضا
إن من أكبر الانجازات التي حققها كتاب "بريد مستعجل" هو إبراز العلاقة بين التجارب السلبية والايجابية للنساء المثليات في لبنان وبين الطبقة الاجتماعية، التي ينتمين إليها، ومستوى التعليم الذي حصلن عليه والمعتقدات الدينية التي نشأن عليها. وفي الكتاب تحكي امرأة مسلمة من شمال البلاد تنحدر من أسرة بسيطة ومتدينة، عن الكيفية التي تعاملت بها الأسرة معها بعد أن كشفت عن ميولها الجنسية المثلية. إذ اعتبرت أن الميول الجنسية أمر مقدر من الله، لكن الأسرة حذرت ابنتها في الوقت ذاته من عدم تفهم المجتمع. وهذه المرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب لا ترى تعارضاً بين دينها وبين المثلية الجنسية، وهذا بالرغم من الرفض القاطع من قبل علماء الدين المسلمين والمؤسسات الدينية الإسلامية.
وفي الناحية الأخرى تقف النساء المسيحيات موقفاً مماثلاً لذلك الذي تتبناه النساء المسلمات. غير أن هناك نساء أخريات مررن بتجارب مريرة فهن يحكين عن تعرض الأب لهن بالضرب أو منعهن من مغادرة المنزل أو إرغامهن على الزواج أو لتعرضهن لمضايقات وضغوط شديدة ومستمرة في المدرسة أو الجامعة.
لبنان أفضل بالمقارنة مع الدول العربية
Bildunterschrift: [فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ]وعلى الرغم من أن هناك فقرة في قانون العقوبات اللبناني تنص حتى اليوم على السجن كعقوبة على العلاقات الجنسية "المخالفة للطبيعة"، إلا أن المجتمع اللبناني يتعامل بتسامح مع النشاطات العلنية لمثليي الجنس من الرجال والنساء. وتقول نادين إن مثليي الجنس في لبنان هم في وضع أفضل بالمقارنة مع غيرهم من الدول العربية. وهي تسلم بأن الجدل قائم على مدى الديمقراطية التي تتمتع بها بلادها، لكنها تجد أن الجميع يتفق على المساحة المتوفرة من الديمقراطية في لبنان تتيح حرية التعبير عن الرأي وتسمح للمثليين برفع عدد من المطالب للدولة. وتقارن نادين بين لبنان ودول عربية أخرى كسوريا والأردن ومصر ودول الخليج، وتخرج بالخلاصة التالية: "هناك قدر كبير من الحريات في لبنان، وعلى المرء فقط أن يتحلى بالشجاعة الكافية ليجاهر بما يرغب فيه ويخرج بمطالبه إلى العلن."
الكاتبة: منى نجار/ نهلة طاهر
No comments:
Post a Comment